الأحد، 4 فبراير 2018

النفس

النفس
خلق الله الناس من نفس واحدة ثم خلق منها زوجها قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) النساء
وخلق الله الانسان نفسا قبل ان يخلق الله لها جسدا ، و هذه النفس هي التي اخذ الله عليها العهد والميثاق بالايمان والتوحيد لله عز و جل قال تعالى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) الأعراف
ثم خلق للنفس جسدا و نفخ في الجسد روح وهي مادة الحياة وهي من امر الله لا يعلم ماهيتها الا الله كي تحيا النفس في هذا الجسد في الحياة الدنيا ثم يفنى الجسد بالموت ومفارقة الروح لها لتعود النفس في حياة البرزخ وهي الحياة الفاصلة بين الحياة الدنيا وبين البعث يوم القيامة وليس شرطا ان تكون في القبر فقد يموت انسان ولا يدفن كمن يموت غرقا او حرقا او ياكله السبع او الطير ، ثم يبعثه الله يوم القيامة في جسد جديد يخلقه الله من الارض كما بنبت الزرع ثم يحاسب فيه يوم القيامة ليلقى مصيره الى الجنه في جسد جديد ابدي او الى النار عياذا بالله في جسد متجدد كلها احترق جلده بدله الله غيره ليذوق العذاب وفي كل هذه المراحل لا تتغير النفس مع تغير الجسد الذي تسكن فيه .
فمحور الانسان ومصيره متعلق بهذه النفس التي عاش بها حياته الدنيا وكيف تعامل معها ومع المعطيات التي زوده الله بها من جسد به شهوات ومن وسط خارجي يبعثه على فعل الخير او الشر، فرفعة هذه النفس واسحقاقها للفلاح بالنعيم او الخيبة بالعذاب في الاخرة بدرجة تزكيته لهذه النفس بمخالفتها بما تهوي بخلاف اوامر الله او تخبيثها بفعل ما نهي الله ، في قوله تعالى. (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) الشمس
و انواع النفس في ذلك ثلاث (نفس مطمئنة، ونفس لوامة، ونفس أمارة بالسوء )، وأن منهم من تغلب عليه هذه، ومنهم من تغلب عليه الأخرى، ويحتجون على ذلك بقوله تعالى: (يَأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ(27)الفجر ، وبقوله تعالى: (وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ(2)القيامة ، وبقوله تعالى: (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ (53)يوسف .
والنفس واحدة، ولكن لها صفات متعددة، فتسمى باعتبار كل صفة باسم
اولا النفس المطمئنة : فهى مطمئنة باعتبار طمأنينتها إلى ربها؛ بعبوديته ومحبته والإنابة إليه والتوكل عليه والرضا به، والسكون إليه. فالطمأنينة إلى الله سبحانه حقيقة، ترد منه سبحانه على قلب عبده تجمعه عليه، وترد قلبه الشارد إليه، حتى كأنه جالس بين يديه؛ فتسري تلك الطمأنينة في نفسه، وقلبه ومفاصله وقواه الظاهرة والباطنة، ولا يمكن حصول الطمأنينة الحقيقية إلا بالله وبذكره: (الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ الله أَلَا بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (4).
ثانيا النفس اللوامة : وهي التي أقسم بها سبحانه في قوله: (وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) فاختلف فيها، فقالت طائفة: هي التي لا تثبت على حال واحدة؛ أخذوا اللفظة من التلوم، وهو التردد، فهي كثيرة التقلب والتلون، وهي من أعظم آيات الله، فإنها مخلوق من مخلوقاته تتقلب، وتتلون في الساعة الواحدة -فضلاً عن اليوم والشهر والعام والعمر- ألوانًا عديدة؛ فتذكر وتغفل، وتقبل وتعرض، وتلطف وتكثف، وتنيب وتجفو، وتحب وتبغض، وتفرح وتحزن، وترضى وتغضب، وتطيع وتعصي، وتتقي وتفجر، إلى أضعاف أضعاف ذلك من حالاتها وتلونها، فهي تتلون كل وقت ألوانًا كثيرة، فهذا قولٌ.
وقالت طائفة: اللفظة مأخوذة من اللوم.
قال الحسن البصري: إن المؤمن لا تراه إلا يلوم نفسه دائمًا، يقول: ما أردت بهذا؟ لم فعلت هذا؟ كان غير هذا أولى، أو نحو هذا من الكلام.
وقال غيره: هي نفس المؤمن توقعه في الذنب، ثم تلومه عليه، فهذا اللوم من الإيمان، بخلاف الشقي، فإنه لا يلوم نفسه على ذنب، بل يلومها وتلومه على فواته.
وقالت طائفة: بل هذا اللوم للنوعين، فإن كل واحد يلوم نفسه، بَرًّا كان أو فاجرًا، فالسعيد يلومها على ارتكاب معصية الله وترك طاعته، والشقي لا يلومها إلا على فوات حظها وهواها.
وقالت فرقة أخرى: هذا اللوم يوم القيامة، فإن كل واحد يلوم نفسه، إن كان مسيئًا على إساءته، وإن كان محسنًا على تقصيره.
وهذه الأقوال كلها حق ولا تنافي بينها، فإن النفس موصوفة بهذا كله، وباعتباره سميت لوامة.
والنفس اللوامة نوعان:
- لوامة ملومة: وهي النفس الجاهلة الظالمة، التي يلومها الله وملائكته.
ولوامة غير ملومة: وهي التي لا تزال تلوم صاحبها على تقصيره في طاعة الله مع بذله جهده، فهذه غير ملومة ويمكن ان يدخل في عداد هذه النفس القلوب المريضة بحب الشهوات المرددة بين رغباتها المحرمة وبين طاعتها لله ومترددة بين الايمان والكفر لان اتباع الشهوة تضعف العقل الموصل الى الايمان وقد ذكرهم الله في قوله تعالى ( أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)
وفي قوله تعالى إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49)
وفي قوله تعالى (لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53) .
ثالثا النفس الأمارة بالسوء : فهي المذمومة، فإنها التي تأمر بكل سوء، وهذا من طبيعتها، إلا ما وفقها الله وثبتها وأعانها، فما تخلص أحد من شر نفسه إلا بتوفيق الله له، كما قال تعالى حاكيًا عن امرأة العزيز: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ َلأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ (5)، وقد تصبح هذه النفس ميتة لا حياة ايمانية فيها وهو نوع من الناس باعوا انفسهم للشيطان ويمكن ان نضيف نوعا اخر وهي النفس الشيطانية وهي التي قال الله عن اصحاب هذه النفس ومنها نفس السحرة قال تعالى (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) هؤلاء باعوا انفسهم للشيطان فغضب الله عليهم فاصبحت قلوبهم ميته قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآَخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (13) ويدخل في عداد هذه الفئة من النفس الميتة الشيطانية من الماسونيين اصحاب المذهب الشيطاني الذي يتم تعميدهم كما يعمد الساحر ومنهم كفار ومنهم منافقين ذكرهم الله في اوائل سورة البقرة قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)
وقال الله تعالى في المنافقين (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18).
و الملَك قرين النفس المطمئنة، والشيطان قرين الأمارة، وقد روى أبو الأحوص عن عطاء بن السائب عن مرة عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن للشيطان لمة بابن آدم، وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله وليحمد الله، ومن وجد الآخر فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، ثم قرأ: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ (268) البقرة
و في الحديث : "إذا أحس أحدكم من لمة المَلَكْ شيئًا فليحمد الله، وليسأله من فضله، وإذا أحس من لمة الشيطان شيئًا فليستغفر الله، وليتعوذ من الشيطان".
وقد امتحن الله سبحانه الإنسان بهاتين النفسين: الأمارة، واللوامة كما أكرمه بالمطمئنة، فهي نفس واحدة تكون أمارة ثم لوامة ثم مطمئنة، وهي غاية كمالها وصلاحها، وأعان المطمئنة بجنود عديدة، فجعل الملك قرينها وصاحبها الذي يليها ويسددها، ويرغبها فيه.

*افعال الجوارح هي محصلة تفاعل النفس مع الدوافع الداخلية والبواعث الخارجية ثم قيام الجوارح بتقرير بالقيام بالفعل من عدمه .
و الدافع هو المحرك نحو الفعل موجود داخل الانسان من رغبات وشهوات مادية من حب المال اوالسلطة اوالجنس او الغضب او الحقد او الحسد اوالغيرة او حب الانتقام بمعني ان يكون لدى الفاعل رغبة ونية داخلية دافعة له لارتكاب الفعل فهذه هي الدوافع ، اما الباعث فهو مؤثر خارجي يحفز الفاعل للقيام بالفعل كالفقر يحفزه على جمع المال ولو من حرام او المغريات والفتن كفتنة الرجال بالنساء اوالعكس يحفزهم على قضاء الشهوات ولو بالحرام و ارتكاب الزنا او اللواط او غيره من الفواحش ، وكحرص النفس على تحقيق الذات والمكانة بين الناس يدفعه الى القيام بكل ما يمكن يوصله الى الجاه او السلطة ولو بكل طريق محرم .
على سبيل المثال : قتل قابيل اخاه هابيل حسدا وغيره وما فعل ذلك الا عندما طوعت له نفسه قال تعالى (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) المائدة
وعلى العكس تجد المؤمن تدفعه نفسه المطمئنة بالايمان وهي دافعه الداخلي لفعل الخير والامتثال الى الاوامر الالهية الى التضحية بالنفس والمال بالجهاد و القيام العبادات الشاقة تقربا الى الله عز وجل وترك لذات الدنيا المحرمة رغبة في ان يستبدلهم الله بلذة نعيم الاخرة والتي هي خير وابقى .

فالسير على الصراط يوم القيامة والذي هو احد من السيف انما يجتازه الناس او يسقطوا منه في هوة جهنهم عياذا بالله انما باعمال النفس لا بثقل او خفة الجسد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق